قهوة و حُب .. !


في أحد الاماكن التي تُرتاد لاحتساء القهوة ..

يجلس منزويا و حيداً و مختلفا عن ما هم حوله .. تبدو عليه ملامح الحزن ، يضع رأسه للخلف قليلا ، محدقا لسقف المحل المليئ بصخب من حوله من الناس .. 

على طاولته المقابلة ضحكات تتعالى و أحاديث تبدو جدية لوهلة و مضحكة أحيان أخرى ، يغبطهم 


يصرف بصره لغيره لعله يجد من يقاسمه مشاعر حزن أو قسمات من إنكسار بسيط

يشيح عينيه بعيدا على آخر وحيد ، ولكنه منهمك في عمل خاص في حاسوبه المحمول ، تبدو عليه آثار الاضطراب و التركيز ولكن لا شئ من حزن يبدو أنه يحمله على كاهله ، عمل مضني يريد أن ينجزه ، ويكافح فيه هذه الليلة .. 

يأتي النادل بإبتسامة عريضة ، وسعادة تغمر وجنتيه حد إتساع عينيه .. (الابتسامة الحقيقة ما تجعل عينيك تبتسم معك ، بهذه تفسر أنها ليست من صنيع الادعاء) يسأل : any thing sir ?

يجاوبه سبانيش كافيه .. 

يرجع لجلسة معتدلة وأكثر حزما و تركيزا من ذي قبل .. لا بد أن هنا في الجوار من هو حامل لهموم الجبال على كتفيه .. 

يرى الوجه المكررة ، و الأحاديث تلو الاحاديث 

من هو في جانب العمل تفصيلا ، وما هو سياسي بحت ، آخر رياضي ، ومنها ما هو إجتماعي ، أو خاص ( وهو الاغلب

يرمي سمعه في طاولة أحدهم ، ويراقب تصرفات و إيماءات الآخرين ، يظن الحزين أن الكون كله حزين معه ، يبكي معه ، يصرخ معه ، يتوقف الجميع و الكل بلسان واحد يواسيه : (لا بأس ، تعدي ، أيام و تنسى ) ! 

يحضر طلبه على طاولته ، قهوة أطلق عليها إسبانية ، كثيرة برغوة الحليب ، طعم قهوتها المطحونة مر قليل ، وكثير من طعم السكر الذي لا يمكنك أن تعدل عليه بإضافة أو نقصان

يختلف الاشخاص في كيف يقضوا بقية يومهم الحزين ، من يذهب بعيدا مع نفسه ويختلي بها كلعبة غميضاء لا يريد أن يكتشفه أو يراه أحد ، في أطراف المدينة أو حي من الاحياء الذي لا يعرف فيه بعيد و لا قريب ، ومنهم من يريد أن يزيل كل حزنه بأن يلتقي من يسامرهم ويتلو عليهم الحديث بعد الحديث و القصص تلو القصص كي ينسى وينسوه من معه ما حدث .. 

لعله مخدر موضعي أو جرعة من نسيان بسيطة .. بسيطة لا تزيل ألما ، و لا تشفي جرحا ، كأدوية لا تأتي بمفعولها إلا بعد مدة من زمن .. يوم ، يومين ، أسبوع ، شهرين ، أيا كان !! 

في ضجة المكان المنزوي ، يضع سماعتيه ، وينقر على زر تشغيل موسيقاه المفضلة ويكتب ، يكتب ما يجول بخاطره ، وما يقتفي أثره من أفكار ، بعضها صحيح يوافقه ، وبعضها يشوبه كثير من مبالغات و مغالطات ولكنها مشاعر و أفكار لا تثبت و لا تنفى .. 


ولأنك تبقى كدواء (الوحدة) أو دواء (الاختلاط) ، أراني أقبع بين الكلمات كدواء فأكتب دون هدف ، ودون فكرة ، ودون نقطة على نهاية السطر تعني النهاية .. 

مشاعري و كلماتي ذهبت منطوقة ، ولا أراني أكتبها مكتوبة ، لانها ببساطة كلمات ذهبت كما يطير أحدهم بجناح من قفصه المغلق ، فلا يعود

ويبقى لبعض الكلمات رغبة في الاقلاع تريد أن تفرد جناحيها ، لتطير ، تطير مكتوبة ( لا منطوقة

يبقى لاخر الكلمات ما حمل طابع خاص حينما كان منطوق ، وبقي أن يفرد جناحيه مكتوبا .. 

يرتشف آخر ما تبقى من قهوته الاسبانية المحلاة .. ويكتب ..

( أحبك ❤️ ✍🏼

تطير من أمامه الكلمة مودعة ، تذهب بعيدا ، بعيداً جدا 

يراها كـ

أحب...

أح ...

أ ...

و تختفي !!



يغلق كتيب ملاحظاته ، يطلب من صاحب الابتسامة السعيدة عن قيمة ما شربه ، يضع بداخله مالاً وقليلا من الاكرامية للنادل السعيد الذي التقاه في معركة أحزانه !! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا كل شخص منا عليه أن يتعلم (علم البيانات) ليحظى بوظيفة مضمونة في المستقبل!

إهتمام مشترك !

تقرير السفر والدليل الكامل لدولة تايلاند مايو 2022

كتب السيرة الذاتية الرياضية … حكايات في عشق الساحرة المستديرة

أخطائي الثلاث مع الصيام المتقطع؟ وعن كيفية حلها!

كيفَ تعيشُ لعمرٍ أطولَ؟ تسعةُ أسبابٍ غيرِ متوقعةٍ تكشفُ لكَ المجهولَ!