والدي (صديقي) !

أعرف كثير ممن يملك لأبيه كل الفخر و التقدير مع كامل الاعتزاز و المحبة ..



ولكني غيرهم في أن أرى (أبي) الصديق الصدوق .. وإن لم نتساوى بفارق العمر وكان هو إبن جيله و كنت أنا إبن جيل آخر   !



دون أن يتكبد عناء في ذلك ، نجح في أن يجعلني في عالمه الفسيح بأن شاركني رياضاته المفضلة بالبداية و بفريقه الذي أحب بلونه الأخضر لونا للحياة .. !



هو نفسه الذي إصطحبني لدى الخياط كي يحيك لي لون الحياة المقلم بالابيض بالرقم ١٠ دون الاشارة بإسم صاحبه (خالد قهوجي) و أخي الذي يصغرني بعامين إختار لون البياض المقلم بالاخضر مع الرقم ٢ دون الاشارة لإسم صاحبه (محمد شلية) ..


من كان يمسك بيدي في أول يوم دراسي بسنتي الابتدائية الاولى مشجعا إياي في المشاركة بمناسبات اصطفاف الطابور و لعبة البالونات المربوطة بالارجل والتي يفوز فيها من يحافظ على بالونته من أن تطال بالاقدام من قبل المنافسين .. !



من ورثّ لي موهبته التي لا أراها رائعة الجمال إلاّ من قِبَله في رسم الخط العربي حيث كنت الاول في صفي جمالا بالخط ، ولم يعلموا بأن المورّث يحمل جيناته معي في الصف ولا يعلم أحد بأنه قد يكون هو نفسه من كتب عنيّ أثناء الحصة والمعلم فاغرٌ فاه يشير إليّ بكل مرة في حصة الخط العربي بالصف بالثالث بأني مختلف و مكافئٌّ إيّايّ بخمس من الريالات القيّمة جدا ذلك الوقت !




وخلال سنتي الثالثة الابتدائية أيضاً ارتقيت منبر الحفل الختامي مقدماً لفقرات الحفل التي كأنها حلم إستيقظت منه بالأمس فعلى الرغم من قدمها إلا أن لحظاتها محفورة بصدري ذلك حين يرمقني أبي فيها بكل فخر ، ويذكرني بها من فترة لأخرى !



لا يمكنني أن أنسى كيف أنه وحين يشاركنا اللعب بالكرة في كل مرة نشعر بالاثارة و كأن الحاضر معنا لاعب من طراز مختلف بل عالمي ضخم عند دخوله سطح البيت في ملعبنا الصغير أو حوش البيت الضيق أو في مخطط معماري وسيع المساحة ، يمرر لنا الكرة برجله اليسرى ، ويرتمي على الأرض منقذا للكرة ومعيدها علينا كي نسدد عليه من جديد بتسديدة ضعيفة يُهيأ لنا أنها صاروخية مع كل ارتمائة في الارض يقوم بها كي يجاملنا و يلهب شعورنا بالحماس دون أن ندري .. !



وهكذا حتى يذكر لنا قصصه حينما كان لاعبا في مركز الحراسة أو ظهيرا طائرا في مركز الظهير الايسر مع عدة فرق إنتمى لها ولا يفوتنا تلك القصص عن معشوقه (الثغر) أو (الاهلي) وكيف انتمى له منذ أيام أحمد الصغير و أحمد دابو والانيق خالد مسعد و الفنان خالد قهوجي و الهداف طلال المشعل و الطائر محمد شلية و باسم ابو داوود و محمد عبدالجواد و حسين عبدالغني و عبدالله سليمان !



وآخرون من أمثال ريفالدو و روماريو و ماردونا و الظاهرة رونالدو و كرويف وريكارد و فان باستن وخوليت وزيدان و باجيو و ولاودروب و زيكو و بلاتيني !



ولا يمكنني أبدا عدّ المباريات التي حضرناها سوية أمام الشاشة أو على مقاعد المدرجات مشاركين مؤازرة لون الحياة الذي أفرحنا مرات و أحزننا مرات أخرى ! أو برشلونة مع صاحب الرقم ١٠ ميسي ، أو مناسبات ضخمة ككأس العالم أو الأولمبياد في سيدني مع هادي صوعان  ، مرورا بأثينا ٢٠٠٤ ، وصولا للصين مع عام ٢٠٠٨ مع ذهبيات العداء المغربي هشام الكروج .. و بطولات التنس شاركناها سوية مع ملك الصالات و اسطورتها السويسري روجر فيدرير ، مع حلمي المتكرر دوما في بطولة رولان جاروس بزيارة باريس مع كل بطولة يحملها الاسباني نادال مع على أرضية ملاعبها الترابيه !

وهو الأول في أن أخبرني عن أسطورية كل من محمد عليّ كلاي في الملاكمة و مايك تايسون بعد ذلك ثم نسيم حميد و أعظم من لمس كرة السلة بثلاثياته مايكل جوردن !


حتى تلك الهدية البسيطة بعد أن عدت حاملا معي شهادة للتفوق لا يمكن نسيانها كونها قرينة بالبسكويت اللذيذ الذي أعطانيه من ذلك المحل المنزوي في (الطبجية) كمكافئة عن ما قد تحصلت عليه في مرحلتي الابتدائية !



وصولا للمرحلة المتوسطة التي عشتها تحت عينيه كونه كان (مرشدا طلابيا) لنفس المدرسة خلال ثلاث سنين .. مرورا بالمرحلة الثانوية .. حتى نهاية شهادة الجامعة من كلية الصيدلة من جامعة الملك خالد حيث أقطن و حيث أنتمي بأبها !



لم أشعر بأني كبرت يوما واحداً ، لم أزل ذلك الطفل الصغير الذي لا يزال يكرر على لسانه أبيات الشعر التي أحبها أبيه كتلك التي يردد :

((عشقتها شمطاء شاب وليدها .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر))

أو كأن يرتجل بصوته معاتبا :

((قال أبو متعب الله لا يسامحك يا خط الجنوب

كلها جرعة وثنتين حتين يروون العطاشي

وانت عطشان ما تروى على ما شربت من الدما ))

أو إن يكون في مزاجه الجيد مغرداً :

((أبو زياد قلبه من الحب انكوى ..

حسبي علي ظبي الجنوب ليا اختفى عن ناظري ..

مليت انا صيد الظبى ما فادني وتعبت أنا ! ))


أو حين تأتي وفي يدك حفنة من ماء موقظا الابناء مستشهداً ب :

(( إذا غسلت الضان فإغسل رووسها .. ياتيك الشحم من بين ضروسها))



والكثير الكثير مما يوسع المجال لذكره و آخر يبقى مخزنا ومؤرشفا مع أحاديث مستفضيه بذاكرة الحب و الاعتزاز كمن يعتز بأبيه و يفخر لا كونه أباه فقط .. بل صديقا و وأخا !



وحتى هذه اللحظة وأنا بعمر ٢٦ لا يراني إلا كطفله الذي لطالما أسعدته كوني جعلته فخوراً في مناسبات عدة و على ألسن مختلفة يذكر عني بخير و كأنه هو الذي يُمدح و يُكال له بسيل الكلام الجميل وهو فعلا من يستحق أن يعود كل جميل له وعلى من حملت تسع شهور منجبة طفلها الاول وبكرها الاول وسعادتها الاولى !


لن أوفي حقك ، ولن تكفيك كل كلمات الشكر ، و لا يسعني أبداً أن أحمل لك ولو جميلا واحداً ولأنك تعذر كصديق .. إخترت أن أكتب لك هدية متواضعة وخاطفة لا توفي ما في القلب من مشاعر و أحاسيس .. مردفا إياها بدعوة أن يطيل عمرك وصداقتك و حنانك و عطفك وكرمك ونصحك وقربك أمداً بعيدا ❤️




توقيع :

صديقك و إبنك الذي زال صغيراً (عبدالعزيز)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا كل شخص منا عليه أن يتعلم (علم البيانات) ليحظى بوظيفة مضمونة في المستقبل!

إهتمام مشترك !

تقرير السفر والدليل الكامل لدولة تايلاند مايو 2022

كتب السيرة الذاتية الرياضية … حكايات في عشق الساحرة المستديرة

أخطائي الثلاث مع الصيام المتقطع؟ وعن كيفية حلها!

كيفَ تعيشُ لعمرٍ أطولَ؟ تسعةُ أسبابٍ غيرِ متوقعةٍ تكشفُ لكَ المجهولَ!