تاريخ القهوة، وقصة أول مقهى في العالم !

كثيرا ما نرى اللافتات والعلامات التجارية لصناعة القهوة وذلك من أكبر فروعها إعدادا وصولا إلى وقتنا الحالي في انتشار فروع القهوة المختصة، ولكن السؤال الذي لا يتبادر في الذهن، هل لديك خلفية تاريخية مثلا عن تاريخ صناعة القهوة؟ أو هل تبادر إلى ذهنك سؤال آخر عن أول سلسلة محلات للقهوة في تاريخها الماضي وصولا لوقتنا الحاضر ؟
ربما علينا أن في كل مرة نرتشف فيها قهوتنا المرة التي تمدنا بالطاقة مع صباح كل يوم بأن نشكر “كالدي”.  “كالدي” هو راعي الغنم ذو الأصول الأثيوبية الذي لاحظ بأن خِرَافه التي هو مسئول عنها لا تنام الليل وذلك بعد تناولها بعضا من أوراق الشجر المريب، الخراف التي بقيت مستيقظة وأقضت مضجعه هو الآخر، هي ما جعلته يكتشف لاحقا بأن السبب هي تلك الشجرة التي نتلذذ بمحصولها الأسود في كل بقعة من العالم.
ولأن جزيرة العرب ليست ببعيد في القرن الخامس عشر وصل لها اكتشاف “كالدي” تحديدًا في اليمن، ومنها ليصل مصر، وسوريا، وتركيا على التوالي، نشأ في تركيا أول محل للقهوة يسمى “Kiva han” والذي كان دارا للمحادثات، ولعب الشطرنج، وسماع الموسيقى لتصبح هذه التجمعات مركزًا لتبادل المعلومات مطلقين عليها مسمى “مدرسة الحكماء”.
لم تكتفِ تلك العشبة في غزو شبه جزيرة العرب فقط ومصر وتركيا بل حطّت رحالها في أوروبا أيضا، كان الأوروبيون في بداية الأمر متخوفين جدا من طعم المرارة التي أطلقوا عليها مسمى “مرارة الشيطان” ولكن بعد تذوق البابا لها وتقبله إياها، أصبحت تلك البذرة مُرَحّبا فيها في أوساط أوروبا كاملة، إنجلترا، النمسا، فرنسا، وصولا لهولندا.
لم تتوقف القهوة عند ذلك الحدّ بل في صباح كل يوم بدأ الناس في استبدال شراب “الكحول” أو “البيرة” بالقهوة السوداء، فقد لاحظوا قوتها في كفاءة العمل و جودته، ففي بريطانيا مع انتشار أكثر من (٣٠٠) محل، أصبحت تلك الأماكن معقلا للتجار والوسطاء والفنانين على حد سواء، كان الشاي في بريطانيا العظمى هو المشروب الأول في العالم حتى عام (١٧٧٣م) بعدما تم فرض الضريبة عليها من قبل السلطات المسئولة، تغير منظور القهوة للأبد لتصبح هي السيدة الأولى والمتربعة على العرش في منظور ما يشرب عالميا.
هولندا في مستعمراتها البعيدة في الهند فشلت في تحصيل القهوة واستثمارها، ولكن كلا من جزيرتي “جاوة” و “سومطرة” والتي تقع تحت يدها كانت هي من بدأت في تحصيل القهوة و نشرها في العالم من شرق آسيا تحت الإشراف الهولندي الأوروبي.
ماذا عن أمريكا؟ بعد وصول شتلات من أوروبا بدأت زراعة القهوة في جزيرة مارتينك أول بذرة، والتي نشأ بعدها أكثر من (١٨) مليون عشبة تواجدت في كلا من جزر الكاريبي ووسط و جنوب أمريكا أي بعد (٥٠) سنة من زراعة أول بذرة في جزيرة مارتينك، لقد تهيأت الأجواء المناسبة في أمريكا ولذلك لتواجد الغابات الإستوائية والجبال العالية المناسبة لزراعة القهوة، والتي تعادل في اليوم الواحد حاليا ما قيمته مليار دولار لتصبح من أكثر المنصات ربحية بعد تجارة النفط!
نصل الآن للسؤال الثاني ماذا عن أول مكان للقهوة أو ما يطلق عليه اليوم ال (Coffee shops) ؟
مثلما ذكرنا آنفا بأن أول محل للقهوة كان في تركيا تحديدا (إسطنبول) تحت مسمى “Kiva Han” وذلك في العام (١٤٧٥م) وقد كانت القهوة فيه تُقدَّم بدون ترشيح بمرارة كبيرة لزبائنه وذلك في إبريق صغير، وقد وصل به الأمر بأن المرأة بإمكانها الطلاق من زوجها وذلك في حال أنه لم يقم بواجبه وذلك في توفير بذور البن للزوجة والبيت.
“فيينا” بعد “إسطنبول” كانت المحطة الثانية في محلات القهوة، فبعد غزو القوات التركية للنمسا، خلّفوا وراءهم بعض المؤن والغنائم (كبذور القهوة) التي نالها السكان البسطاء في تلك المدينة، كان من أولئك البسطاء “فرانز جورج” والذي كان يعلم بأن القهوة التي تركها الأتراك ذو معدن نفيس، قام ببعض الترشيح للقهوة وأضاف لها كلا من السكر والكريمة، وقام بتقديمها مع المعجنات المحلاة لتنفجر شهرتها أوروبا والعالم قاطبة وذلك في العام (١٥٢٩م).
ففي العام (١٦٥٢) نجحت بريطانيا في استيراد القهوة التركية، بدأت في فتح محلاتها في لندن، وقد نشأ أول مفهوم للإكراميات أو الـ “Tips” في تلك المحال وذلك لتسريع الخدمة مع أفضل جودة لمن يقدم بعضها من القروش البسيطة، كان مرتادو هذه المحلات من الطبقات العالية (الغنية) والتي يتم فيها تبادل التجارة في أماكن صغيرة لتقديم القهوة، انتشرت كالنار في الهشيم في أوروبا لتصل نحو إيطاليا في العالم (١٦٤٥م) وباريس (١٦٧٢م) ومن ثَم ألمانيا (١٦٧٣م ).
محلات القهوة في نيويورك أصبحت مأوى لتجارة العملة و البورصة وتبادلتها وذلك في فرع (Tontine coffee house) لتصبح مركز الأعمال وإدارة شئونها في ذلك المحل المنزوي في وول ستريت.
أصبح مفهوم القهوة مختلفا لاحقًا، لتقدم قائمة الطعام معها أيضا، فشركة (Tim Hortons) أضافت مفهوما جديدا للقهوة وذلك بتقديمها الطعام الشهي في دولة المنشأ كندا، ليختلف المفهوم لتكون محطة أيضا لتناول الطعام و البقاء لوقت أطول جنبا إلى جنب مع القهوة، ولأننا نتكلم عن محلات القهوة، فيجب ألا يفوتنا أكثر الفروع انتشارا في العالم (Starbucks) الذي بدأ أول فرع له في سياتل الأمريكية في العالم (١٩٧١م) لينشر لاحقا أكثر من (٨) آلاف فرع في العالم.
لذا في كل مرة تقف فيها لطابور قهوتك، أو بأن تكون معدًّا لها في صبيحة كل يوم، عليك أن تعي قيمة تاريخ عظيم متجدد يكون بين يديك، حارًّا ولذيذًا ولكونك لا تستغني عنه مطلقا فكما قالت العرب هو (الخمر الحلال) الذي اجتاح العالم كله.


للاشتراك في نشرتنا البريدية: 

https://gohodhod.com/@aziznotes/issues/575?preview_token=e512e2a9-7ec7-47b2-955e-13ef39ff7df9



المصادر :


http://www.ncausa.org/about-coffee/history-of-coffee


https://www.thespruceeats.com/evolution-of-the-coffee-house-765825


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا كل شخص منا عليه أن يتعلم (علم البيانات) ليحظى بوظيفة مضمونة في المستقبل!

إهتمام مشترك !

تقرير السفر والدليل الكامل لدولة تايلاند مايو 2022

كتب السيرة الذاتية الرياضية … حكايات في عشق الساحرة المستديرة

أخطائي الثلاث مع الصيام المتقطع؟ وعن كيفية حلها!

كيفَ تعيشُ لعمرٍ أطولَ؟ تسعةُ أسبابٍ غيرِ متوقعةٍ تكشفُ لكَ المجهولَ!