لماذا كل شخص منا عليه أن يتعلم (علم البيانات) ليحظى بوظيفة مضمونة في المستقبل!
كنت دائمًا كثير التساؤل والفضول تجاه مصطلح علم البيانات، ما الذي يعنيه، وكيف تكيّف أرقامه، ومن ثمّ تُجيّر لاحقًا، لأن تستخدم في أغراض سليمة أو ضارة. كيف تلحقك هذه البيانات مع كل نقرة زر، لتتابعها دومًا، وتقع في دوامة لا تنتهي من الروابط المتشعبة، والتي تظهر صفحتك أيا كانت، عن عدد مرات ظهورها، ومن أي موقع كانت جهة تتبعها، ما الفئة العمرية التي تريد صفحتك؟ وما الذي يفضلونه؟ وما الذي شدهم لصفحتك؟ عن صفحات الهبوط، وكيف تم إغراؤهم لينقروا أي شيء في صفحتك لأنك أشرت بذلك صراحة لإجراء رد فعل Call to action، كيف تجعل صفحتك تتصدر صفحات البحث والنتائج مع SEO، عن علم البيانات وإدارة الحشود، والأفراد، والأدمغة.
الجديد بالذكر أنه لم يسعني أن أفهم هذا الكم الكبير سوى تجربتين، الأولى في عالم الكتابة ومن موقع زد تحت إشراف الأستاذ عبد المحسن، والمعلم القدير يونس، والذي قدم في دورته التدريبية لي أول مفاتيح العوالم التقنية في علم البيانات ومن خلال بوابة الكتابة، والتي علمتني أهمية البحث عن طريق قوقل، للكلمات الرئيسية وارتباطها مع SEO، عن علم النفس البشري في كيفية محاولة جذبه من خلال العنوان الرئيسي، مع دمج التعريفات الأصيلة والمعترف بها.
أما تجربتي الثانية فكانت مع متجري الإلكتروني الذي أطلقته من خلال تطبيق سلة الإلكتروني، والذي أرغمني على الغوص أعمق من ذي قبل نحو عالم التسويق الرقمي، وكيفية استخدام منصات متعددة لمعرفة أكثر الكلمات تداولًا، وعن الدفع الممول، وعن أثر اسم النطاق وإلخ من الأمور الكثيرة والتي أُجبرت على تعلمها بالضرورة وذلك مع بعض الدورات المجانية من قوقل والمنتهية بشهادة تؤهلك للتسويق في العالم الرقمي.
تعريف علم البيانات
“يجمع علم البيانات بين مجالات متعددة تشمل الأمور الإحصائية والأساليب العلمية والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لاستخراج القيمة مِن البيانات، يُطلق مصطلح علماء البيانات على مِن يمارسون علم البيانات، وهم يجمعون بين مجموعة مِن المهارات لتحليل البيانات المجمعة مِن الويب والهواتف الذكية والعملاء وأجهزة الاستشعار وغيرها مِن المصادر مِن أجل استخلاص رؤى قابلة للتطبيق”
عالم مخيف، وعجيب جدًّا هذه البيانات، على الرغم من تملك كبرى الشركات لهذه الأرقام والبيانات والتي ما هو سري منها، وما هو مفتوح للمستخدمين، إلا أنك تدرك حقيقة بأنك واقع في غرامها، أو سحرها، أو حتى إدمانها، سَمِّها ما شئت. غريب هذا الشيء، كيف نقيس مقدار اعتزازنا نحو شخصياتنا، بعدد المتابعين، والمعجبين، والمشترين ذلك أن نرى أنفسنا من خلالهم، أن نتشبث بهم جدًّا، لكي يحبوننا ويرغبوا بنا دومًا، أن نكون خيارهم المفضل دومًا، الذين يسعون إليه حينما يريدوننا، عن التعلق اللامتناهي بين الطرفين، والذي لا ينتهي أبداً.
فوائدها كثيرة جدًّا، وبعد تجربة على الصعيد الشخصي، في المتجر الإلكتروني حينما تقوم بالدفع في مقابل الإعلان الممول، والذي يعني بأن صورتك، أو منتجك سيظهر لفئة عمرية أنت حددتها، وجنس معين أن تستهدفه، وبقعة جغرافية تريد أن تركز عليها، كل هذه العوامل تضاف لمدى جاذبية الصورة التي تريد من الآخرين أن يقعوا في حبها، مع الوصف التعريفي للمنتج الجذاب، مع توجيه مباشر للعميل في أن ينقر الزر لمزيد من المعلومات، أو الإتمام لعملية التصفح وبشكل أكبر من خلال منتجات إضافية في المتجر، ونهاية بإيضاح السعر بشكل مباشر ومغري بأرقام مثل ٦٩، ٨٩، ٢٩، مرفقة بعدد لا متناهٍ من الهاشتاقات المرتبطة بمنتجك الذي ترغب به.
بعد عملية سريعة سيقترح عليك كلٌّ من برنامجي فيس بوك وإنستقرام في اختيار برنامج إضافي جديد يتتبع قيمة ما تدفعه كل يوم، ليخبرك عن عدد الذي تفاعلوا مع إعلانك، ومن هل الفئة العمرية والجنس الذي مالوا له، ومن من جملة هذه الأعداد نقر الزر وقام بالدخول في الصفحة وأتم عملية الشراء، وعن أولئك الذين أهملوا صفحتك ولم يتموا عمليات الشراء، ليجبروك أن تعود لهم بالاستفسارات، والإغراء بجملة من العروض والكلام اللبق لتتم جولة الشراء. عن ظهور برامج حالية عظيمة في جذب المستهلك من خلال تطبيقي (سناب تشات، وتيك توك) وعن حتمية ظهور برامج منافسة في المستقبل القريب.
كل هذه البيانات التي تريدها برغبة منك، ضرورية لك، كي تعدل وتبدل، لتزيد أو تنقص، لتغري أكثر، وتعرف من هي فئتك المستهدفة الحقيقة، جميع هذه البيانات والتي بلا شك تهمك أهمية قاطعة، هي جزء صغير وتافه، ولا يذكر من شركات تحفظ كَمًّا غزيرًا من بياناتك الخاصة، ألم تسأل نفسك لماذا لا أستطيع وضع محمولي بعد دقيقة فقط من تصفحي لتويتر، أو سناب تشات، أو انستقرام، أو تيك توك؟ لأنهم وببساطة عرفوا المحتوى الذي تميل له، وتحبه، وتقضي فيه الساعات والدقائق دون أدنى ملل.
علم البيانات النفط الجديد
في محاضرة بمنصة TedX لجوردن مورو وهو المؤثر جدًّا في عالم البيانات وذلك في رغبته الشديدة لمعرفة الناس لها بعنوان (لماذا يجب على الجميع معرفة البيانات؟) يؤكد أننا اليوم نعيش فما يسمى (بالعصر الرابع الصناعي) والمتمثل “بالتقنية” بكل جوانبها في محاورها الثلاث (الإنسان، والذكاء الاصطناعي، وعلم البيانات) والتي هي بلا شك النفط الجديد كما يسميه. جوردن في رسالته للعالم الأفراد يقول بأنه يجب على الجميع معرفة ٤ أمور رئيسية لكي يتعايشوا مع العصر الجديد التقني:
- أولًا: قراءة البيانات.
- ثانيًا: معرفة طريقة التعامل بها.
- ثالثًا: معرفة طريقة تحليلها بطريقة سليمة.
- رابعًا: طرح التساؤلات والأسئلة الجدلية حولها.
يشير جوردون إلى أن أهم عاملين يدعمان شغف المعرفة بعلم البيانات هما (الإبداع، والفضول) وذلك بطرح الأسئلة الخّلاقة والمبتكرة، مع إبقاء شعلة الفضول متقدة، كالطفل الذي لا يكف عن الأسئلة التي تأتي بخاطره، ولكنه هذه المرة نحو كم البيانات الذي لا يتوقف والتي من خلالها نستنبط الأسئلة والأجوبة معًا.
ما شكل مستقبل الوظائف؟
في أحد حلقات بودكاست مربع بتقديم حاتم النجار، استضاف فيها الدكتور هاني عجيمي وكان عنوان الحلقة (حتى لا تصبح عاطلا حينما تختفي الوظائف) دفعني كثيرًا الضيف في الحركة أكثر، بعدما رفع حالة التأهب بشكل أعلى من ذي قبل حينما يخبرك في الحلقة بأنه يجب عليك من اليوم أن تتعلم شيئًا ذو قيمة في المستقبل القريب (الثلاث سنوات القادمة) عن الوظائف التي سوف (تأكلك عيش) بدلًا من وظيفتك الحالية التي تشغلها، والتي بنسبة كبيرة سوف تختفي، رسالة الدكتور هي أن تقوم بالابتكار اليوم، وليس أن تعتمد على (تعليم التلقين فقط، منتهي الصلاحية) يجب أن تكون بصمتك ظاهرة في العلن، لان تبدع، وتخرج خارج الصندوق، لان تصبح منتِجًا، لا مستهلكًا فقط.
محليًّا في المملكة العربية السعودية وفقا للدراسة التي أصدرتها شركة ماكينزي لمستقبل الوظائف أشارت بأن ٤١٪ من أنشطة العمل في المملكة قابلة للأتمتة، في المقابل أتمتة الوظائف التي تعتمد على الأنشطة الإبداعية، والمعقدة، مع التفاعلات البشرية تعتبر أقل نسبة مقارنة بباقي المهن، أكدت الدراسة بأن عدة مهارات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مستقبلا عن اختيار أحد الوظائف والتي ومن تلك المهارات:
- مهارات تتطلب قدرات إدراكية أعلى مثل: الإبداع، وتحليل المعلومات المعقدة وتفسيرها
- مهارات اجتماعية وعاطفية: مثل: الريادة وأخذ المبادرة، قيادة وإدارة الآخرين
- مهارات تقنية مثل: المهارات التقنية المتعلقة بتقنية المعلومات، المهارات الأساسية الرقمية.
أما عن شكل المستقبل فمن خلال التقرير الصادر من دولة الامارات للوظائف التي سوف تظهر خلال ٢٠٤٠م، والتي تعنى أكثر بجيل ألفا وهو المولود بعد العام ٢٠١٠م، ذكرت بأن شركة ماكينري في أمريكا أكدت بأن ثلث الوظائف في أمريكا خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية لم تكن موجودة، بل نشأت لاحقًا مثل (تطوير تكنلوجيا المعلومات، تصنيع الأجهزة، إنشاء التطبيقات، إدارة النظم التكنولوجية)
وعلى الرغم من الخوف المتزايد من قبل الموظفين تجاه الأتمتة، وإحلال الروبوتات بدلًا من البشر، إلا أن التفكير الإبداعي، هو الحجر الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وبما أن الأتمتة قادمة صحيح بأنها ستلغي وظائف إلا أنها سوف تخلق وظائف أخرى في السوق، وذلك في مجالات مثل (الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، القيادة الذاتية للطائرات والسيارات، وخبراء الصحة الشخصية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وأمن المعلومات المرتبط بتقنية البلوك تشين … الخ).
في تجربة سبق وأن ذكرتها هنا في مقالة سابقة عن التجربة التي قامت بها دولة فنلندا في العام ٢٠١٨-٢٠١٩ م بمشاركة ٢٠٠٠ شخص، والواعدة في المستقبل الوظيفي تحت مسمى (الدخل الأساسي العالمي) والتي تقوم فكرتها على التسليم بفكرة تداخل الآلة مع الإنسان ولكن في المقابل أن تشارك الدول في الدخل الثابت للأفراد ماديًّا وجعل الأفراد من البشر يركزون أكثر على تنمية مواهبهم، واختراعاتهم، ونظرياتهم، والتي ستخدم البشرية، جاعلة من هذه الفكرة أكثر مساهمة في زيادة الناتج البشري وإيقاظا لعهد آخر من العصر النهضوي الذي بزغت فيه الكثير الأسماء الخالدة في التاريخ البشري.
علينا أن نَعُد العدة للمستقبل، لأن نستطيع أن نعرف ما هو الذي نميل له مع العالم الرقمي، ويمكننا من خلاله تعلمه وكسب المهارات اللازمة لتلك المهارة، ولكيلا ندع المستقبل يتكفل بإزالتنا من قائمة الوظائف نحو أن نكون بدون وظائف ولئلا نعضّ أصابع الندم، ولأن ننبّه أيضًا الجيل القادم بضرورة التقنية، والوظيفة في قطاعات لها بقاؤها الدائم في عوالمها الرقمية.
للإشتراك في النشرة البريدية:
https://gohodhod.com/@aziznotes
إليك أيضا:
مدهش هذا المقال
ردحذفمدجج بالمصادر القيمة والإحالات الثرية تأرجح بي ما بين خوف من المستقبل وأمل في غد أفضل وفي النهاية نفعني بمعلومات لم تك لديّ عندما شرعت في قراءته
هذا مقال يُحفظ لتعاد قراءته في وقت لاحق
شكرًا لمجهودك في البحث والتنقيب ومشاركتنا تجربتك القيمة وإمدادنا بالمعرفة. سلمت الأنامل