الخطواتُ الخمسُ لإنشاءِ السَّردِ القَصَصِيِّ، أمثلةٌ من أعمالٍ خالدةٍ!
للأعمالِ التاريخيةِ وصفةٌ سحريةٌ، تُجبرُك رغما عنك أن تُعجبَ بها وتحكيَ عنها لاحقا؛ لتحققَ بذلكَ أهمَّ صفةٍ لها في (الأصالةِ).
كم رغِبتُ سابقا في أن أجمعَ بينَ الآراءِ وزوايا الأفكارِ المختلفةِ والعواطفِ المتناثرةِ والقَصصِ القابعةِ خلفَ ستائرِ الأحداثِ العظمى، أن أسمعَ من طرفٍ واحدٍ، وألقيَ بكلِّ أفكاري عن ما سمعتُه نحوَ الفئةِ الثانيةِ أو الثالثةِ والرابعةِ وهكذا!
لا أعرف لماذا هذا التشابهُ الوثيقُ بينَ تجاربِ الألمِ وصناعةِ الفنونِ، بودي أن أعرِفَ أكثرَ عن توافقِ هذين الجانبين واندماجِهما مع بعضِهما بعضا؛ ليُكوّنان لاحقا باكورةَ أعمالٍ خالدةٍ في التاريخِ البشريِّ، هل بالضرورةِ أن يكونَ الألمُ محفِّزا للإبداعِ، أو أن الإبداعَ يسمحُ للألمِ أن يكونَ عميقا لينتجَ عملا خالدا؟!
هكذا دون أن أخططَ لذلك وفي فتراتٍ زمنيةٍ مختلفةٍ، كنتُ قد قرأتُ عن أحدِ أعظمِ تجارِبِ الألمِ التي مرتْ في التاريخِ البشريِّ (الحربِ العالميةِ الثانيةِ) من خلالِ كتابِ (امرأةٍ في برلين(.
تلكَ المذكراتُ التي كتبتْ ووصفتْ ما قامَ به الشيوعيون في عَقرِ دارِ الألمانِ في العاصمةِ الألمانيةِ (برلين) عن الاقتحامِ، والتكسيرِ، ورمي الرصاصِ، ومظاهرِ الجوعِ، والتهديدِ بالقتلِ، والاغتصابِ، عن رُوحِ الانتقامِ.
كيفَ لكَ أن تعيدَ من هيبتِك كـ(روسيٍّ)؛ لتأخذَ بثأرِ مَن قاموا بقتلِ أهلِكَ وأصدقائِك، هذه المذكراتُ السِّريةُ التي نُشرتْ لاحقا؛ لتبينَ هذه المشاهدَ بصورةٍ أدقَ؟!
ومن تجرِبةٍ لإحدى الناجياتِ من هذا الحدثِ التاريخيِّ الذي بدأه مجنونٌ يُسمّى (هتلر)، الخليطُ الناتجُ من هذه المذكراتِ، وتجربةُ ألمِ الحربِ أنشأتْ هذه التحفةِ التاريخيةِ، وهنا بدأتْ أولُ تساؤلاتي عن ماهيةِ خليطِ الألمِ بالفنِ، لإنتاجِ باكورةِ أعمالٍ لا تُنسى في التأريخ!
كثيرا ما سمعتُ عن عنوانِ كتابِ (الإنسانِ والبحثِ عن المعنى) ولكنْ لم تكنْ لديَّ فكرةٌ عن المؤلفِ ولا عن القصةِ الكامنةِ خلفَه، وحينَ بدأتُ في تقليبِ صفحاتِه وجدتُه أيضا يقبعُ في تلكَ الحقبةِ الزمنيةِ مع اندلاعِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ؛ مما جعلَ السؤالَ أكثرَ ظهورا لديَّ بينَ أسطرِ الكتابِ، عن ذلكَ الألمِ وذلكَ الفنِ وخليطِهما الساحر.
قصةٌ أخرى يطرحُ فيها الطبيبُ النفسيُّ تجرِبتَه المريرةَ في الحربِ، وهو اليهوديُ الناجي من محرقةِ (الهولوكوست)، كيفَ يصفُ ما درسَه نظريا في تخصصِه، وكيفَ شاهدَ تلكَ الدروسَ النظريةَ واقعا محسوسا جعلتْه أكثرَ رغبةً في النَّجاةِ من الحربِ، عن معنى أن تعيشَ لسببٍ واضحٍ يجعلُك تتمسكُ بالحياةِ من أجلِه، أن ترغبَ بشدةٍ في نقلِ تجربتِك المليئةِ بالاضطهادِ، والأعمالِ الشاقَّةِ، والجوعِ، وأسبابِ النكوصِ والخيبةِ، ومن ثَمَّ الاستسلامِ، والنتيجةُ ضعفٌ يودي بك للقتلِ أو الحرقِ!
كتاب بديع آخر نسج بخليط الألم...وفي حدث مشترك غير وجه العالم!
أخيرا، يقعُ بين يديَّ كتابٌ لم يكنْ لديَّ فكرةٌ عنه سوى تلكَ المراجعاتِ التي في (قود ريدز) التي تصفُه بأنه كتابٌ ممتازٌ، مُعنوَنٌ بـ(ليسَ للحربِ وجهٌ أُنثويٌّ) هذه المرَّةِ من وجهةِ نظرٍ روسيةٍ، ليستْ ألمانيةً أو يهوديةَ الأصلِ، بل روسيةً تصفُ مشاركةَ النساءِ في الحربِ العالميةِ الثانيةِ، عن رُوحِ الشبابِ المندفعِ الذي كانَ يظنُّ أنَّ الحربَ لم تستمرْ سوى أشهرٍ معدودةٍ، غيرَ أنها استمرت أربعةَ سنواتٍ كاملةٍ، عن التجنيدِ وعن النساءِ، كيفَ يتغيرُ الوجهُ الأنثويُ لينقعَ بالدماءِ، والدموعِ، والرصاصِ، لتكونَ في صفَّ الرجالِ جنبا إلى جنبٍ!
تجرِبةٌ أخرى مؤلمةٌ، تنضمُّ لتكوِّنَ عملا بديعا آخرَ من خلالِ القصصِ المرويةِ من نساءِ الحربِ أنفسِهن.
كيفَ لحربٍ واحدةٍ أن تنشئَ مثلَ هذهِ الأعمالِ العظيمةِ التي ترتبطُ ارتباطا وثيقا بالمعاناة!
عام (١٩٤5م) غيَّرَ وجهَ العالمِ عن بعضِ الآثارِ التي تظهرُ في السطحِ؛ ولكن يقبعُ تحتَها ملايينُ القصصِ والأعمالِ والشواهدِ التي لم تُحكَ ولم تنقلْ للجيلِ التالي.
في سؤالٍ جديدٍ: هل لجائحةِ (كورونا) فصلٌ جديدٌ للأحداثِ؟ ليستْ تجاربَ للألمِ فحسبُ، العالمُ الآن في كتلةٍ واحدةٍ، أن يختلَ اقتصادُ دولةٍ واحدٍ يعني أن تتأثرَ مجموعةُ دولٍ أخرى معها، ما التقنياتُ التي تسارعتْ بشدةٍ لنكونَ في وضعٍ مختلفٍ؟ ما قبلَ (الفايروس) يختلفُ عن ما بعدَه، الكثيرُ من الدولِ تتجنبُ الحربَ؛ لأنها مؤذيةٌ لكلِ الأطرافِ، تستنزفُ من ميزانيتِك وقوتِك ووقتِك في سبيلِ أن تنموَ وتتطورَ، الحربُ القادمةُ ربما ستكونُ مختلفةً، حروبُ البياناتِ،وحروبُ الاختراقاتِ، أو حروبُ الحاسبِ، كيفَ ستنتجُ الفنونَ الممزوجةَ بالألمِ؟ هل ستتوقفُ؟ أو تولدُ في شكلٍ جديدٍ؟ من سيوثقُها؟ كيف سنحكي القصصَ مع الجيلِ التالي؟
كيف سننقلُ تجرِبتَنا بتجردٍ دونَ الخوفِ من اختراقِ خصوصياتِنا وحواسيبِنا وبياناتِنا؟
عن أيِّ ألمٍ سنتفرَّدُ في المرةِ القادمةِ بفنِه، وكيفَ سنصفُه؟
في محاضرةٍ لـ(رايان قاتس) على منصةِ (تيد اكس)، بعنوانِ: (اكتبْ ما تعرفُه بصدقٍ) يشيرُ المحاضرُ إلى أنَّ السرَّ الحقيقيَّ في الأعمالِ العظيمةِ هو في (السَّردِ القصصي)، وذكرَ بأنَّ هناك عدةَ عواملَ يجبُ أن تكونَ مؤثرةً كفايةً؛ لتجذبَ الجمهورَ وتجعلَه ينشدُّ لحكايتِك، ولها عناصرُعلى النحوِ الآتي:
١- الخُطاف:
ويعني به جذبَ انتباهِ المتلقي منذُ اللحظةِ الأولى للقصةِ.
٢- اللامتوقع:
حيثُ تكونُ المفاجأةُ بتساؤلاتِ الجمهورِ حولَ القصةِ.
٣-الأسباب والتأثيرات:
وهي سلسلةُ الاحداثِ التابعةِ للقصةِ.
٤-كيف تُشعِرُك :
شرحُ كلِ الأمورِ (العاطفيةِ، والعقليةِ، والجسديةِ) عن ارتباطِ الجمهورِ مع القصةِ وتأثرِه بها.
٥- بناءُ تفاصيلَ محددةٍ:
وهي العنصرُ الأساسُ المقنعةُ والأبديةُ في السَّردِ القصصي.
ينبّهُ (رايان) إلى أنّ أهمَّ عنصرٍ هو (الأصالةُ) وعدمُ حياكةِ قصةٍ غيرِ حقيقةٍ أو لا تُصدَّقُ، هي أهمُ عاملٍ يحدِّدُ عظمةَ عملِك من عدمِه، بالتأكيدِ أن الألمَ العاطفيَّ والجسديَّ لهذهِ الأعمالِ لا يمكنُ الشعورُ به على نحوٍ فعليٍّ إلا بطرقٍ مختلفةٍ، مثل: (الرسمِ، والشعرِ، والروايةِ، والأفلام ... إلخ)؛ ولكنَ مختلفَ المشاعرِ تتفاعلُ مع هذهِ الأحداثِ؛ لتحدثَ تفاعلا كيميائيا ما ...يجعلُك تتعاطفُ مع القصةِ وتذوبُ معها بشكلٍ كاملٍ.
يقولون: (صورةٌ بألفِ كلمةٍ)، ولعلّي أقولُ: (قصةٌ بألفِ شعورٍ)!
للإستماع للحلقة صوتيا بالكامل 🎧 عبر بودكاست خواطر مفكرة
رابط صفحة ساوند كلاود: 🙌🏼
رابط صفحة ابل بودكاست: 🙌🏼
للإشتراك في النشرة البريدية:
تعليقات
إرسال تعليق